الخميس، 28 أبريل 2016

مقتطفات للشاعر شارل بودلير




شارل پيير بودلير (1821-1867) هو شاعر وناقد فني فرنسي، يعتبر من أبرز شعراء القرن التاسع عشر ومن رموز الحداثة في العالم. حيث حُسب شعره على أنه متقدم ومتجاوز لشعر زمنه فلم يفهم جيدًا إلا بعد وفاته. بدأ بودلير كتابة قصائده النثرية عام 1857 عقب نشر ديوانه الشهير “أزهار الشر”، مدفوعا بالرغبة في شكل شعري يمكنه استيعاب العديد من تناقضات الحياة اليومية في المدن الكبري مثل باريس. (الموسوعة).


لا أتخيل كيف ليد ان تمسك صحيفة من غير ان ترتجف اشمئزازا

***

أنا غرفة انتظار عتيقة
مليئة بالورود الذابلة
يملؤها خليط عجيب
من أزياء فات زمانها
ولا يتنفس فيها عبير عطر مسكوب
إلا الرسوم النائحة

ولوحات بوشيه الشاحبة

***

من بين الحقوق التي كثر الخوض في شأنها، ثمة حق منسي يهم الجميع أن يعاد إليه الإعتبار.إنه الحق في التناقض

***

إلى كلاب باريس الضالة . تعالي معي ولنصنع من بؤسينا نوع من الحياة

***

أيها الموت، أيها القبطان العجوز، حان الوقت الآن، فلنرفع المرساة؛ هذا البلد يبعث فينا السأم. أيها الموت فلنبحر.

***

لا تحتقروا حساسيّة أحد ، حساسية كلٍّ منّا هي عبقريته


***

الليل، الذي يغمر روح الناس بعتماته، يضيء روحي.


***

أنا بهو قديم تملؤه الزهور الذابلة

***


هناك من لا يستطيع أن يلهو إلا وهو في القطيع البطل الحقيقي يلهو وحيدا


****


الأمم لا تلد عظماءها الا مرغمة.


***


يبقى الدين مقدسا والهيا، ولو كان الله غير موجود.


***

الفراشة المبهورة تطير نحوك أيتها الشمعة
 تقرقع وتحترق وتقول مبارك هذا اللهب

***


البحر مرآتك، تتأمل بإعجاب روحك في تموّجاته الأبدي


***

أنا الجرح والسكين
 أنا الخد والصفعة 
أنا الأعضاء وآلة التعذيب
 أنا الجلاد والضحية 
أنا مصاص دماء قلبي.

***

ما أسعد من يحلّق فوق الوجود ، ويفهم دون عناءٍ كبير لغة الزهور والأشياء الصامتة.

***

كي لاتكونوا عبيد الزمان المعذبين
 انتشوا انتشوا دونما انقطاع


***

كل شيء في هذا العالم ينضح بالجريمة : الجريدة والجدار ووجه الإنسان.

***


من يبني آماله على الأوهام ..
 يجدها تتحقق في الأحلام ..


****



من كتاب أزهار الشر



القطرس

غالبًا ما يصطاد البحارة طلبًا للتسلية
طيور القطرس. هذه الطيور الكبيرة
التي تتبع بغير مبالاة السفينة المنسابة
فوق اللجج كأنها رفاق السفر
وما إن يضع البحارة ملك الفضاء هذا
على ألواح السفينة
حتى يتحول إلى أخرق خجل
يترك جناحيه الكبيرين الناصعين
يجرجران إلى جانبه كالمجاديف
بصورة تدعو للرثاء
يا له من أخرق تافه مضحك بشع
هذا المسافر المجنح الذي كان في غاية الجمال
فواحد يزعج منقاره بغليونه
وآخر يقلد وهو يعرج هذا المريض الذي كان يحلق
ما أشبه الشاعر بأمير الفضاء هذا
الذي كان يرود العاصفة ويهزأ بالرماة
إنه على الأرض منفيّ بين الغوغاء
وأجنحته الجبارة تعوقه عن مواصلة المسير.



العدوّ

شبابي لم يكن سوى زوبعة قاتمة
اخترقته هنا وهناك الشموس اللامعة
فقد عبث المطر والرعد ببستاني
فلم يبقيا فيه إلا القليل من الثمار الذهبية
وها إن أفكاري قد بلغت خريفها
ولا بد لي من استعمال الرفش والمسلفة
لأعيد تنظيم هذه المزارع التي غمرتها المياه
وحفرت فيها حفرًا واسعة كالقبور
من يدري إذا كانت هذه الأزهار الجديدة
التي كنت بها أحلم
ستجد في التربة المغسولة كالرمل
الغذاء الرمزي الذي يبعث فيها النشاط
أيها الألم إن الزمن يُبلي الحياة
والعدوّ الغامض الذي ينهش قلوبنا
على دمنا المسفوح ينمو ويقوى.

الرجل والبحر

أيها الإنسان الحر ستحب البحر دائمًا
فالبحر مرآتك تتأمل نفسك في انبساط أمواجه
غير المتناهية، في حين
أن روحك هاوية لا يقل عنه مرارة
ومن دواعي سرورك أن تغوص في أعماق صورتك
وتضمها بعينيك وذراعيك
وقلبك يلهو أحيانًا بخفقانه
وبصخب هذه الشكوى الوحشية المتمردة
فأنتما غامضان لا تبوحان
فيا أيها الرجل.. لم يستطع أحد أن يسبر أغوار نفسك
ويا أيها البحر.. لم يستطع أحد أن يعرف مقدار ثروتك
الدفينة في أعماقك
لحرصكما الشديد على كتمان أسراركما
ومع ذلك فإنكما تحتربان بلا شفقة ولا ندم
لأنكما تحبان كثيرًا الموت والمجازر
يا أيها المتحاربان الأزليان
والأخوان اللذان لا يعرفان الهدوء



بكاملها

زارني الشيطان يومًا في غرفتي العالية
محاولاً أن يضبطني متلبسًا بالخطيئة
فقال: أتوق أن تخبرني عن أحلى ما فيها
فبين كل المفاتن التي تصنع سحرها
ومن الأشياء الوردية والسوداء
التي تكوّن جسدها الفاتن
أي شيء هو الأجمل
أراك يا نفسي تجيبين كارهة
لا سبيل إلى المفاضلة فكل ما فيها بلسم
فعندما يلفني بسحره كل شيء فيها
أجدني أجهل الشيء الذي سحرني
إنها كالفجر تبهيني وكالليل تعزيني
والانسجام الذي يلف كل جسدها
بلغ من روعته أن عجز التحليل وقصّر
عن تعداد توافقاتها العديدة
فيا تغيُّر حواسي كلها الذائبة في واحدة
إن أنفاسها تصنع الموسيقى
وإن صوتها يصنع العطور.

الشبح

كالملائكة ذات العيون الوحشية
سأعود إلى مخدعك
وأتسلل إليك بغير جلبة مع ظلام الليل
وسأمنحك يا سمرائي
قبلاً باردة كالقمر
ومداعبات أفعوان يسعى حول وكره
وعندما يعود الصباح الكئيب
ستجدين مكاني فارغًا وسيستمر باردًا حتى المساء
وكما يحب بعضهم أن يسيطروا
بالحب على حياتك وشبابك
أنا أريد أن أسيطر بالرعب.



موت الفقراء

إنه الموت الذي يعزي واحسرتاه
وهو الذي يحملنا على الحياة
إنه غاية الحياة والأمل الوحيد
الذي يرفعنا ويبعث كالإكسير النشوة في نفوسنا
ويزوّدنا بالجرأة التي تجعلنا نتابع الطريق إلى النهاية
عبر الإعصار والثلج والجليد
هو الضوء المتموّج في آفاقنا السود
إنه الفندق الذائع الصيت
الذي يوفر الطعام والراحة والنوم
إنه الملاك الذي يحمل بين أصابعه السحرية
الرقاد ونعمة الأحلام السعيدة
ويسوي مضاجع الفقراء والعراة
هو مجد الآلهة ومخزن الغلال الرمزي
وكيس نقود الفقراء وموطنهم القديم
إنه الرواق المفتوح على الآفاق

المجهولة.

*************







أمي العزيزة،


إذا كنت حقاً تمتكلين روح الأمومة ولستِ مرهقة؛ تعالي إلى باريس. تعالي لتريني ولتبحثي عني. أنا، ولألف سبب رهيب، لا أستطيع الذهاب إلى أونفلور (Honfleur) ملتمساً ما طالما بحثت عنه: قليلاً من الجرأة والحنّية. في نهاية آذار، كتبت إليك: “لن نلتقى مرة أخرى”، وكنتُ في واحدة من تلك الأزمات التي نعيش فيها الواقع المؤلم. [لكن الآن]، سأفعل ما في وسعي لقضاء بضعة أيام، ثمانية أيام أو ثلاثة أو حتى بضع ساعات قربك، أنت الكائن الوحيد الذي تبقى حياتي معلقة به. في كل مرة أُمسك فيها الريشة لأكتب إليك عن حالي، أخاف؛ أخاف أن أقتلك، أن أدمّر جسدك الهشّ. وأنا، أنا دائماً، كما تعرفين، على مشارف الانتحار. أعتقد بأنك تحبينني بشغف، وبروح عمياء، أنت التي تملكين شخصية قوية. وأنا، أنا أحببتك بشغف في طفولتي. لكن لاحقاً، على وقع ظُلمك، بدأت أفقد احترامي لك، كما لو أن ظلم الأم أبناءها يشرعن ظلمهم إياها. غير أنني، كعادتي، تراجعت عن ذلك في كثير من الأحيان. لم أعد ذلك الطفل العنيف وناكر الجميل. ساعدتني التأملات الطويلة بمصيري وكذلك شخصيتك على فهم كل أخطائي وكل كرمك. لكن على أي حال، ما وقع من سوء بيننا قد وقع، بسبب استهتارك وبسبب أخطائي. مقدّر لنا، بكل تأكيد، أن نحب بعضنا بعضاً. أن يعيش أحدنا من أجل الآخر. أن نقضي، قدر الاستطاعة، حياتنا الأكثر صدقاً ورقّة. مع ذلك، وفي هذه الظروف الرهيبة التي أعيشها، بتّ مقتنعاً أن أحداً منا سيقتل الآخر وأننا، في المحصلة، سنقتل بعضنا بعضاً. لن تستطيعي العيش بعد موتي. هذا أكيد. أنا الشيء الوحيد الذي يجعلك تحيين. وبعد موتك، خصوصاً إذا متِ بصدمة أنا سببها، سأقتل نفسي، بلا شكّ. موتك، الذي غالباً ما تتحدثين عنه بكثير من الخضوع، لن يصلح شيئاً في حالي. سيجتمع المجلس القضائي ولن يُدفعَ شيء ما[من الإرث]، وسأعيش، علاوة على الألم، إحساس العزلة المطلقة.


وداعاً، أنا منهك! وفي ما يخص تفاصيل صحتي، فأنا لم أنمْ ولم آكل منذ ثلاثة أيام تقريباً، وأحس بضيق تنفّس. كما يجب أن أعمل!

لا، لا أقول لك وداعاً؛ لأنني أرغب في رؤيتك!


آه! اقرأيني بتأنّ وحاولي أن تفهميني!


أعرف أن هذه الرسالة ستؤلمك، لكنك ستسمعين فيها، بكل تأكيد، الرقة والحنان، وحتى الأمل، أشياءَ نادراً ما عرفتِها.


وأحبك!


ش. ب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق