الاثنين، 21 أبريل 2014

اقتباسات / عبدالله القصيمي











إن المجتمعات المتألمة العاجزة , أو المثارة , هي أكثر المجتمعات حماسا للشعارات وإيمانا بقوة السحر .
الشعارات في هذه المجتمعات أقوى تأثيرا وإقناعا من الحقائق الصامتة .

الشعار لدى كثير من الناس غاية في ذاته , إنه نوع من التدين ..كالجهر بالصلاة وقراءة الكتب المقدسة ,ودعاء الإله . إنهم يريدون أن يؤمنوا بمعجزات تعطيهم مالا يستطيعون , أو مالا يريدون أن يفعلوه , وتعفيهم من قسوة الارتباط بالقوانين , وقسوة الإيمان بالتلازم بين الأسباب والنتائج , فيذهبون حينئذ يؤمنون بالأوهام السهلة تحت الشعارات المدوية .


لا يوجد مجتمع يعيش دون شعارات , مهما خرج في حياته عن كل شعار . إننا إذا كرهنا أو لعنا قوما لأنهم يخالفوننا في عقيدة أو وطن أو عرق , فنحن لا نفعل لهذا الخلاف , بل لأننا محتاجون نفسيا إلى أن نكره ونلعن !

إن التوتر والوعيد والسباب سلع جيدة ودائمة , يعرضها الثوار والطغاة في السوق فتشتريها الجماهير المعذبة بكرامتها وحريتها ووقارها وسلامها. والجماهير محتاجة دائما إلى أن تهب كرامتها وحريتها ووقارها بلا أي ثمن إنها لابد أن تهرب من هذه الأعباء هربا.

*****

كل ما في الحياة , بل إن الحياة نفسها أكذوبة , إنها لا تبدأ بصدق , ولا تنتهي بصدق , ولا تعلم أبناءها الصدق , ولا تحملهم عليه . إنها هي المعلم الأول للكذب .

إن المؤمن العابد يزعم وهكذا يعرض نفسه أنه لا يعبد إلا الله , مع أنه لا يعبد إلا نفسه , لا يعبد إلا رغباته وفكرته , ويعبر عن ذاته فقط , ويدعي ويفترض أنه لا يعبر إلا عن احترام ومحبة , وهو كاذب في هذا إنما يتعبد عن خوف , وطمع , وحاجة *

***
إن الناس يجدون أديانهم كما يجدون أوطانهم , وأرضهم , وآباءهم .. يجدونها فقط ولا يبحثون عنها , أو يؤمنون بها , أو يفهمونها , أو يختارونها . فالعقل لا يدري ولا يستشار .

إنهم يعتقدون ثم لا يفكرون , أو يفكرون فيما يجعلهم لا يفكرون , لأنهم بعد الاعتقاد لا يعرضون عقائدهم على النقد والاختبار والدراسة . كل ما يفعلون أن يستعينوا بالعقل على تقوية اعتقاداتهم وزعمها صحيحة . يسخرون العقل ليؤيد ما ليس عقلا , يسخرون العقل لإخماد العقل .*

*********
هل اختلف البشر في الرياضيات , وفي الكشوف العلمية , أو في حجم الشمس والقمر , مثل اختلافهم في أديانهم ومذاهبهم؟

وكذلك لو كانت الأديان تؤخذ بالعقل والمنطق , لوجدنا المؤمنين يخرجون من دين إلى دين بالسرعة والسهولة التي ينتقل با الناس من فكر إلى فكر , ومن فلسفة إلى فلسفة , ومن مكان إلى آخر.

إن الناس يخشون على أديانهم وعقائدهم من تعريضها للمنطق , فكيف يؤيدونها , أو يعرفون صدقها بالمنطق , وهم يرون الذين يخضعون المعتقدات للتفكير الحر بالزنادقة وتجب البراءة منهم ؟

نعم الأديان لا تنتصر إلا في المعارك التي تتجنبها ..كذلك لا تحارب بالعقل , ولا تحارب العقل , أي لا تدخل مع العقل في معارك حرة , لهذا ظلت منتصرة , أو بدت كمنتصرة .*

****
كل ما تفعله اللاهوتية أن تحرم . والتحريم في جميع صوره ليس إلا مقاومة للحياة.

********

الشعوب العربية لا تعترف بقيمة النقد ، بل لا تعرفه ، إن النقد في تقديرها كائن غريب كريه ، إنه غزو خارجي ، إنه فجور أخلاقي ، إنه بذاءة ، إنه وحش فظيع يريد أن يغتال آلهتها ، إن النقد مؤامرة خارجية ، إنه خيانة، إنه ضد الأصالة ، إنها لذلك تظل تتغذى بكل الجيف العقلية التي تقدم إليها ، لا تسأم التصديق ولا تمل الانتظار ، إن أسوأ الأعداء في تقديرها هم الذين يحاولون أن يصححوا أفكارها وعقائدها أو يحموها من لصوص العقول ومزيفي العقائد، وبائعي الأرباب ، إن تكرار الأكاذيب والأخطاء والتضحيات لا يوقظ فيها شهامة الإباء أو الشك أو الاحتجاج، لقد جاءت مثلاً أليما في الوفاء والصبر والانتظار لكل مهدي لا ينتظر خروجه.

******
الثوار دائماً يتحدثون عن نقيض ما يعطون ، إنهم يتحدثون عن الحرية والاستقامة ، وهم أقوى أعدائها ، وعن الصدق وليس في البشر من يعاقبون الصادق ومن يمارسون الكذب ويجزون الكاذبين مثلهم! وعن حقارة النفاق وهم أحسن من يزرعونه ، ويستثمرون ، ويتعاملون معه ، وعن الرخاء مع أنهم من أذكى من يبتدعون جميع أسباب الإفقار والأزمات والحرمان ، وعن التقدمية وهم أعتق البشر رجعية ، لا مثيل لهم في الخوف من التغيير الذي لا يهبهم تسلطاً وطغياناً ، ويتحدثون عن العدل والحب ، وهم يعنون بهما تخويف كل الطبقات ، وقهرها ، وسوقها لمصلحة كبريائهم، وأحلامهم .

إن الشيخ الذي يملأ لسانه بالله وتسبيحاته، ويملأ تصوراته بالخوف منه ومن جحيمه، ثم يملأ أعضائه وشهواته بالكذب والخيانة والصغائر وعبادة الأقوياء، لهو أكفر من أيِّ زنديق في هذا العالم.
****
إنه لا يمكن أن تكون ثورة بدون أصوات عالية، إن الأصوات العالية تستهلك حماس الإنسان وطاقته، إنها تفسد قدرته على الرؤية والتفكير , والسلوك الجيد، إن الأصوات العالية هي الثمن السخي الذي تهبه الثورات للمجتمعات التي تصاب بها، إن الأصوات العالية هي العقاب الغوغائي الذي تعاقب به كل ثورة أعصاب ووقار مجتمعاتها.

ما أوقحك وأكثر ذنوبك أيتها الشعارات، ما أوقحك في فم الطاغية، في أجهزته، في فلسفته، ما أوقحك في فم المعلم والكاتب والخطيب والواعظ، كم كذبت ؟ كم قتلت؟ كم خدعت، كم سرقت، كم هيجت؟ إني أخافك، إني أحتقرك أيتها الشعارات.
*******
ما أفظع المؤمن المخلص لمذهبه أو لدينه أو لإلهه أو لتعاليمه الأخلاقية. إن كل صاحب عقيدة ومذهب يقف عند عقيدته ومذهبه بغباء, بجنون, بتعب....................................

إن البشر لا يعنيهم أن تكون مذاهبهم أو أربابهم أو أخلاقهم طيبة أو صادقة .. إن الذي يعنيهم أن تكون قادرة على إخضاعهم , أو تخويفهم , أو إذلالهم , أو إرضائهم عن أنفسهم , وتحويلهم إلى أعصاب متوترة , إلى ضحايا في معركة يرفضون أن يتناقشوا في شرعيتها ..إلى ضحايا في معركة يموتون فيها دون أن يفهموها , دون أن يقبلوا فهمها ................................

إن الإنسان لا يفكر أو يناقش ليخلق حالة بل ليشرح حالة .. ليشرح حالة هو فيها أو هي في نفسه . إننا لا نستمع إلى من يفكر أو يناقش لنتعلم منه , أو لنفحص ما نسمع ! ولكن لندافع عن حالة نحياها أو نتمناها أو نريدها . لهذا كان الكلام والمنطق مهما كان صحيحا وقويا لا يجدي , لا ينتفع به المفكر المتكلم , ولا ينتفع به السامع . إن المفكر والسامع محكومان معا بحالة سابقة,بحالة هي قبل الكلام والتفكير , ووراءهما , وأقوى منهما ...............

ص 103 , 104
***********
لقد رأينا أفسق الحكام والدجالين والكتاب , يعيشون في المجتمعات المتخلفة في مواكب المهابة والمجد , والثراء والاسترخاء , ولكن لم نرى مفكراً واحداً استطاع أن يعيش بكرامة أو أمان في مثل هذه المجتمعات إن لم يهادن أوهام السوق ويعبد أصنامها .أليس الملحدون الذين يعيش على عبقريتهم المؤمنون , أعظم فضيلة وتديناً من المؤمنين الذين يعيشون دائماً على ذكاء غيرهم وقوتهم؟

هل يحتمل أن يكون الله عدواً للذين يصنعون الحضارة , صديقاً للذين يستهلكونها ويلعنونها , لأنهم يضعون الأديان في أفواههم والمعاصي الكبيرة في قلوبهم وأعضائهم.........................؟

لقد ظل التفكير في المجتمع المتخلف في كل تاريخه يتسامح مع جميع المخالفات الأخلاقية , كما ظل دائماً يرفض التسامح مع أية مخالفة فكرية أو اعتقادية.


وقد استثمر الماكرون الأقوياء هذا الغباء استثماراً متشعباً حيث تمتعوا بجميع مزايا الانحراف والطغيان والفضائح لأن العصيان السلوكي ليس شيئاً كبيراً بهذا المنطق!

************
لماذا يثور الناس ؟
لماذا يصنعون المذاهب والنظم المتناقضة المتحاربة إن كانوا لايبحثون عن الأفضل ولايعرفونه!

إن الثائر ليس إلا لصاً أو قاتلاً أو تاجراً , قد اضطرته الظروف , أو اضطره النصر إلى أن يغير سحنته ويخفي ذاته , وملامحه الحقيقية الكريهة تحت شعارات المجتمع وضروراته ومكاسبه المتراكمة.

إن الفرق بين الثائر والمجرم العادي , ليس فرقاً أخلاقياً أو نفسيا ..أنه فرق اجتماعي ولهذا فان كل ثائر هو عدو شرس للثورة , فهو لايثور لأنه يحترم الثورة أو لأنه يؤمن بأهداف ثورية دائمة , أنه يثور ليكون ثائراً ..ليكون مالك ثورة ..ليكون بطلاً أو لصا كبيرا .فاذا كانت الثورة ضده حاربها كأشرس الأعداء.

عاشق لعار التاريخ
ص 84 ,85

- لقد عوقبنا على نزعتنا النقلية فحولنا كل شيء إلى رواية . لقد ضعفت فينا طاقة النقد والابتكار , فالمعارف كلها نقل , إننا لا نستطيع أن نرى الأشياء أو الناس كما نراهم , بل كما نقلوا لنا , إن أقصى ما يبلغه علماؤنا وعباقرتنا العظام أن ينقلوا إلينا ما حفظوا وما قرؤوا , كما ينقل لنا الشيخ والقديس نصوص كتبهما المقدسة *

-إنك لن تستطيع أن تثق أيها المؤمن بأنك على الدين الحق , وأن مخالفك على الدين الباطل , إلا إذا احتكمت إلى العقليات , وأنت في هذه الحالة لم تفعل ذلك , فكيف ضمنت لنفسك المصير الذي تريده وتنتظره ؟

إن كانت حجتك في ضمان هذا المصير هو رغبتك فيه , لارتباطك النفسي والاجتماعي به , ولتآلفك الطويل معه , فاعلم أن جميع مخالفيك هم جميعا مثلك في رغبتهم وارتباطهم وتآلفهم ..

وإن كانت حجتك هي اطمئنانك ورضاك عما أنت فاعل وعن نفسك , فاعلم أن الآخرين كلهم يرون ويطمئنون كذلك ..وإن كانت حجتك هي أنك وجدت مجتمعك كله يرى رأيك ويعتقد اعتقادك , فاعلم أن كل المجتمعات كذلك.

أما إن كانت حجتك أنك تريد الأخذ بالاحتياط لنفسك , فتؤمن بما لادليل عليه لتكون واثقا من النجاة على افتراض صحته ....ألست في هذا تحاول خديعة الإله , وتطمع في انتصار هذه الخديعة ؟

ألا يحتمل أن الاحتياط للنفس لا يكون إلا برفض كل العقائد والأديان ؟

ألا يحتمل أن الآلهة كانت تسخر من البشر , وتجرب عقولهم , حينما طالبتهم بأن يؤمنوا بما لا تريد , وبما لا ترضاه لهم ولا لنفسها ؟ *
- تربية البشر الأخلاقية والاجتماعية الصالحة , تعني تعليمهم نوعا من السلوك , لا نوعا من الشعور أو الحب , لأن الشعور والحب لا يُعلمان .
التربية الأخلاقية في كل المجتمعات , معناها تعليم الكذب على الآخرين , لا تعليم الشعور النظيف الصديق نحوهم.

لسنا فضلاء , وإنما نحن خاضعون لحالتنا النفسية . من يحبون الناس لا يفعلون ذلك بحافز الأخلاق , ولكن بحافز المصلحة والتلاؤم.

أن الذين يقولون لنا أحبوا الناس , أو أحبوا أعداءكم وإخوانكم كما تحبون أنفسكم , هم واعظون وخطباء لا يفهمون , ولا يعنون ما يقولون , إلا إذا كانوا يريدون أن يقولوا لنا كونوا منافقين , كونوا كذابين , كونوا مخادعين.

الأخلاق في كل العصور , هي إتقان فن التكلف , إتقان الأكاذيب والتزوير , حتى الإحسان إلى الآخرين ..حتى الإشفاق عليهم , هو عطف على الذات لا على الآخرين *

- كل مافي الحياة , بل إن الحياة نفسها أكذوبة , إنها لا تبدأ بصدق , ولا تنتهي بصدق , ولا تعلم أبناءها الصدق , ولا تحملهم عليه . إنها هي المعلم الأول للكذب.
 
إن المؤمن العابد يزعم وهكذا يعرض نفسه أنه لا يعبد إلا الله , مع أنه لا يعبد إلا نفسه , لا يعبد إلا رغباته وفكرته , ويعبر عن ذاته فقط , ويدعي ويفترض أنه لا يعبر إلا عن احترام ومحبة , وهو كاذب في هذا إنما يتعبد عن خوف , وطمع , وحاجة


عبدالله القصيمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق