الاثنين، 21 أبريل 2014

اقتباسات / علي الوردي














يحاول الوعاظ أن يصلحوا أخلاق الناس بالكلام والنصيحة المجردة , وما دروا أن الأخلاق هي نتيجة الظروف النفسية و الاجتماعية.

إنهم يحسبون الأخلاق سببا لتلك الظروف .. لا نتيجة لها , ولذا نراهم يقولون " غيروا أخلاقكم تتغير بذلك ظروفكم " . ولو انصفوا وعقلوا لقالوا عكس ذلك . فلو غيرنا ظروف الناس لتغيرت أخلاقهم طبعا .

ولو رفعنا عن كاهل الناس عبء الفاقة والمشقة , وجعلناهم يشعرون بأن مصالحهم مطابقة لمصالح المجتمع , لصاروا مواطنين صالحين وتركوا الإفساد والإجرام.

مشكلة الوعاظ عندنا أنهم يحاولون تقويم السلوك البشري بمجرد قولهم للإنسان : كن , ولا تكن . كأنهم يحسبون السلوك طينا يكيفونه بأيديهم كما يشاؤون .

ونراهم يحرضون الإنسان أن يضحي بمصلحته الخاصة في سبيل المصلحة العامة . ناسين أن المصلحة الخاصة هي أساس الطبيعة البشرية , فإن هي تناقضت مع المصلحة العامة كان ذلك إيذانا بالفساد الذي لا علاج له .

علي الوردي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من يدرس حياة السلف الصالح دراسة موضوعية , يجدهم كسائر الناس يخطئون ويتحاسدون ويطلبون الشهرة كما يطلبها كاتب هذه السطور.

لقد كانوا بشر مثلنا يأكلون ويمشون في الأسواق , ولكن الواعظين جعلوهم من طراز الملائكة , لكي يحرضوا الناس على إتباع مسلكهم في الحياة .

إن الواعظين حلقوا بمواعظهم , كما أسلفنا ,في السحاب ثم رجعوا بعد ذلك إلى رجال السلف يزكونهم ويجردونهم من جميع عيوبهم لكي يجعلوا منهم قدوة للناس . لقد خلقوهم كما يخلق الفنان تمثاله . ثم جاؤوا إلينا يريدون أن نكون مثلهم . وبهذا وضعوا أمامنا غاية لا تنال .

لقد صنع الواعظون لنا أنماطاً من السلوك فوق متناول البشر , وتركونا نركض وراءها من غير جدوى - كمن يركض وراء السراب .

الوردي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن الطبيعة البشرية لا يمكن إصلاحها بالوعظ المجرد وحده . فهي كغيرها من ظواهر الكون تجري حسب نواميس معينة . ولا يمكن التأثير في شيء قبل دراسة ما جبل عليه ذلك الشيء من صفات أصيلة .

يقول "باكون" : لكي تسيطر على الطبيعة , يجب عليك أولاً أن تدرسها . فالإنسان جزء لا يتجزأ من الطبيعة المحيطة به .

إن القدماء كانوا يتصورون بأن الإنسان حر عاقل مختار . فهو في رأيهم يسير في الطريق الذي يختاره في ضوء المنطق والتفكير المجرد . ولهذا أكثروا من الوعظ اعتقادا منهم بأنهم يستطيعون بذلك تغيير سلوك الإنسان وتحسين أخلاقه .

والناس أثناء ذلك منهمكون في أعمالهم التي اعتادوا عليها لا يتأثرون بالموعظة إلا حين تلقى عليهم . فنراهم يتباكون في مجلس الوعظ , ثم يخرجون منه كما دخلوا إليه لئاما !

****
ومن الجدير أن نذكر أن للإنسان عقلين : ظاهر وباطن , وإننا , حين نعظ الإنسان في هذه الحالة , لا نؤثر إلا في عقله الظاهر فقط . أما عقله الباطن فهو لا يفهم من مواعظنا ونصائحنا شيئا إذ هو مشغول بما يوحي العرف
الاجتماعي إليه من قيم واعتبارات .

أما إذا جاءه الواعظون أثناء ذلك يذكرونه بتقوى الله , فتلك موعظة لا تدخل إلى أعماق نفسه . إنه قد يعظ الناس مثلهم عند الحاجة , لأن عقله الظاهر قد امتلأ بهذه المواعظ منذ صغره , فهو يحفظها ويلقيها على غيره , ولكنه لا يتأثر بها ما دامت معاكسة لقيم العرف الاجتماعي الذي نشأ فيه .

إن المفكرين العرب قد حلقوا في سماء الوعظ كثيراً , فلم يقربوا أسلوب وعظهم من أسلوب الواقع الذي يعيش الناس فيه , وبهذا أصبحت هناك فجوة واسعة بين واقعية الحياة ومثالية الفكر عندهم .


*****
كنت أزور ذات مرة معامل فورد في مدينة ديترويت ثم عرجت بعد ذلك على زيارة الحي العربي الذي كان قريبا منها . وقد اندهشت حين وجدت نزاعا عنيفا ينشب بين المسلمين هناك حول علي وعمر , وكانت الأعصاب متوترة والضغائن منبوشة .

وكنت أتحدث مع أحد الأمريكيين حول هذا النزاع الرقيع . فسألني الأمريكي عن علي وعمر : " هل هما يتنافسان الآن على رئاسة الحكومة عندكم كما تنافس ترومن وديوى عندنا " فقلت له : " إن عليا وعمر كانا يعيشان في الحجاز قبل ألف وثلاث مئة سنة . وهذا النزاع الحالي يدور حول أيهما أحق بالخلافة!" . فضحك الأمريكي من هذا الجواب حتى كاد أن يستلقي على قفاه . وضحكت معه ضحكا فيه معنى البكاء , وشر البلية ما يضحك !

علي الوردي
********
كنت أسخر من كل معلومة أخرى لا تطابق في مقاييسها المنطقية تلك المعلومات البدائية . وسرعان ما أحكم على كل أمر يخالف مفاهيمي السابقة بأنه مستحيل - ثم أمط شفتي غرورا واستكبارا -.

إن المقاييس التي نميز بها بين المستحيل والممكن من الأمور هي في الواقع مقاييس نسبية . إذ هي منبعثة من التقاليد والمصطلحات والموضوعات الاجتماعية التي تعود عليها الفرد أو أوحي بها إليه في بيته أو مدرسته أو ناديه ...فالفرد الذي لم يرى مذياعا ولم يسمع عن الإذاعة شيئا من قبل , لا يكاد يصدق إذا أخبره أحد أصدقائه بأن هناك آلة يسمع بها الإنسان صوت غيره على بعد آلاف الأميال.

إن تركيب العقل البشري متماثل في جميع الناس سيان في ذلك بين المتعلمين وغير المتعلمين. فكل إنسان على عقله منظار أو إطار ينظر إلى الكون من خلاله , وهو أذن لا يصدق بالأمور التي تقع خارج هذا الإطار.

الوردي- خوارق اللاشعور
*********

إن الإطار الفكري الذي ينظر الإنسان من خلاله إلى الكون مؤلف جزؤه الأكبر من المصطلحات والمألوفات والمفترضات التي يوحي بها المجتمع إليه ويغرزها في أعماق عقله الباطن . والإنسان متأثر بها من حيث لا يشعر . فهو حين ينظر إلى ما حوله لا يدرك أن نظرته مقيدة ومحدودة . وكل يقينه أنه حر في تفكيره. وهنا يكمن الخطر , فهو لا يكاد يرى أحداً يخالفه في رأيه حتى يثور غاضبا ويتحفز للاعتداء عليه . وهو عندما يعتدي على المخالف له بالرأي لا يعد ذلك شيناً ولا ظلما إذ هو يعتقد بأنه يجاهد في سبيل الحقيقة ويكافح ضد الباطل .

وأغلب الحروب والاضطهادات التي شنها البشر بعضهم على بعض في سبيل مذهب من المذاهب الدينية أو السياسية ناتجة عن وجود هذا الإطار اللاشعوري على عقل الإنسان.

علي الوردي خوارق اللاشعور
*******
لقد دل التاريخ على أن كل دين , مهما كان نوعه , لا يكاد ينتشر حتى ينشق على نفسه , أي إنه لا يكاد ينتصر وينجح حتى تظهر فيه الفرق المتطاحنة والشيع المتنابذة . وكل فرقة تدعي أنها هي الأحق والأعدل وأنها وحدها الناجية من دون الفرق الأخرى. والعجيب أن نرى المؤرخين يعزون سبب التفرق في دين من الأديان إلى فلان أو فلان من شخصيات التاريخ ثم يأخذون بذمه وصب اللعنات عليه على اعتبار أنه فرق الأمة وشق عصا الجماعة . الواقع أن التفرقة طبيعية لازمة من طبائع العقل البشري . والتفرقة لا تبدأ عادة إلا بعد النصر لأن نزاع المصالح يأخذ عند ذلك بالظهور.

فالجماعة تكون في فترة الكفاح الأولى متكتلة لا اختلاف فيها لأن مصلحة الفرد ومصلحة المجموع تكون آنذاك واحدة . أما حين يبدأ النصر وتنهال الغنائم , وحين يترف بضعة أفراد على حساب الآخرين. فتجد غول التفرقة قد أخذ يكشر عن أنيابه.

علي الوردي - خوارق اللاشعور
******
إن الإبداع الفكري يحتاج , كما لا يخفى , إلى أن يمر في مرحلتين هما مرحلة الخزن ومرحلة الاجترار. وبعبارة أخرى إن كل مبدع أو مفكر يحتاج في أول الأمر إلى عمل دائب حيث يجمع به المعلومات اللازمة فيخزنها في عقله الباطن لتختمر فيه وتنضج . وهذه ما نسميها بمرحلة الخزن . فإذا اجتاز المفكر هذه المرحلة , لجأ إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة الاجترار حيث تراه قد جلس بعيدا , وأخذ يسبح سادرا في خيالات تشبه أحلام اليقظة . إنه يترك عقله الباطن هائما في خيالاته كما يشاء . وحينئذ تنبعث لديه معظم أفكار الإبداع والابتكار والاختراع.

إن العلم الحديث , لم يستطع حتى الآن أن يبت في الأمور الغيبية أو يحكم لها أو عليها . فليس من العلم أن نقول إنها موجودة وغير موجودة . إن كلا القولين يمكن اعتبارهما تعصبا في نظر العلم. والملحد كالمؤمن لا يصلح أن يكون باحثا محايدا في مثل هذه المواضيع الشائكة.

علي الوردي - خوارق اللاشعور
******
إن كل ثقافة بشرية تتخذ لنفسها نظاما في الأخلاق خاصا بها , وهي تنظر إلى أخلاق الآخرين بشيء من الريبة والاحتقار.

الأخلاق
ص 10

الحكومة العثمانية لم تكن تعنى بالمحافظة على الأمن والنظام في البلاد , كما هو شأن الحكومات الراقية . ولم يكن همها في حكم الناس إلا أن تجبي منهم الضرائب والمغارم وليفعلوا بعد ذلك بأنفسهم مايشاؤون. وكانت سياسة الحكومة تجاه العشائر أنها تتركهم يتقاتلون ويتناهبون فيما بينهم والمعروف عنها أنها كانت تشجع فيهم هذا القتال والتناهب في سبيل إضعافهم .
ص24

علي الوردي
*****


إن لكل إنسان عقدة نفسية تأخذ بخناقه وتوجه سلوكه . فمن الناس من استحوذت عليه العقدة الجنسية , فلا يكاد يرى في الدنيا إلا ما كان مصطبغا بها . ومنهم من يسعى وراء المعالي ويدوس بقدمه كل من يقف في سبيله إليها . إن لكل شخصية بشرية مفتاحا خاصا بها . وما على الذي يريد أن ينجح في معاملة الناس إلا أن يدرك طبيعتهم المعقدة هذه , ويعالج كل واحد منهم بمفتاحه السري.
الأحلام تُفصح عن طبيعة الإنسان وتكشف عن رغبته الخفية . فالناس قد يتظاهرون في يقظتهم بأنهم كالأنبياء في حبهم للحق والحقيقة , وأن ليس لهم من هدف في الحياة سوى خدمة الناس أو التقرب من الله . ولكنك لو درست أحلامهم لتبين لك نفاقهم بجلاء .*
 الوردي
********
إننا لا نلوم رجال الدين على إيمانهم الذي يتمسكون به. ولكننا نلومهم على التطفل في البحث العلمي وهم غير جديرين به. إن الإيمان والبحث على طرفي نقيض. ولا يستطيع المؤمن أن يكون باحثاً. ومن يريد أن يخلط بينهما فهو لاشك سيضيع المشيتين.

الوردي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق