أصنف "الحرية" التي يمارسها اللبنانيون والسوريون بأنها حرية سلبية : لا تنظر فيما فعلت الذات وما
تفعله , وإنما تنحصر في تحقير الآخر أو التشهير به .
وهذا مما يؤدي إلى انعدام الفكر والتأمل , عميقا وموضوعيا , في الواقع الحي . ويجعل
من السياسة التي هي فن بناء المدينة والمجتمع والإنسان مجرد
"مناورات" و
"مناكفات" , و"حروب" . ويؤدي إلى مزيد من السلبيات : التخبط ,
الانقسام , الفوضى , الضياع.
لم أعد أذكر اسم ذلك "المفكر" العراقي أو السوري الذي كان عضوا في حزب البعث العربي , و"مأخوذا" برؤيته الذاتية إلى درجة أفقدته القدرة على الرؤية الصحيحة , ففكر في تأليف كتاب يسميه : "علم الجمال البعثي"! في كل سياسي سوري أو لبناني "عالم جمالي" يسير , دون أن يعلم , على خطى ذلك "العالم الجمالي البعثي" وراء جماليته الذاتية , الخاصة وهو في ذلك يمحو السياسة والجمال معا.
كل ما يحدث في لبنان وفي سورية , فكرا وعملا , يبقي كلا منهما "في ماهو عليه" , ولا يخطو أية خطوة لنقله إلى "ماليس هو" .
القوة العظمى التي لا تغلب والتي يجدر بلبنان وسورية أن يمتلكاها , لا تكمن في القادة ولا في النظام , وإنما تكمن في الإنسان . الإنسان الحر , الخلاق , المغيّر . وكل شيء في السياسة السائدة في لبنان وسورية قائم على تدمير الإنسان , وإحياء المحازب , والنصير , والتابع . إنها سياسة تعمل على أن يظل كل من هذين البلدين " معلقا على خشبة" .
112, 113
ينبغي على أهل الفكر في اللغة العربية أن يدركوا أخيرا , خصوصا بعد محاولات أسلافهم في القرن المنصرم , أن الفكر لا يتحول أو لا يتغير إلا بدءاً من "خلخلة" تراثه الخاص- في مشكلاته , وقضاياه , ومساراته, وأن هذه "الخلخلة" لا تتم بفعل "فكر" من خارج هذا التراث , سواء كان ماركسي أو أمريكي أو أوروبي.
لقد أخطأ هؤلاء في وضع هذا التراث على "الرف" , في إهماله
, أو النظر إليه بوصفه
"ميتا " أو مجرد "ورق أصفر" . وأخطأوا , على الأخص , في
"الخوف" من طرح الأسئلة عليه , بشكل جذري , وشامل .
إلى أن تتم تلك "الخلخلة" ,سيظل الفكر في البلدان العربية كلها شكلا من أشكال "علم الجمال البعثي"!
114
إلى أن تتم تلك "الخلخلة" ,سيظل الفكر في البلدان العربية كلها شكلا من أشكال "علم الجمال البعثي"!
114
لا أعجب بالطريقة التي اتبعها غيفارا في العمل التحرري . تحررياً : أفضل غاندي :رؤية ,منهجاً ,
وممارسة . أرفض العنف بأشكاله جميعا . مهما كانت أهدافه
. سواء كان فرديا أو جماعيا .
ثم إنني أفضل , في كل عمل تحرري , أن يشارك الشعب كله في النضال , لا أن يقتصر هذا النضال على مجموعة من الأفراد , أياً كانوا .
ثم إنني أفضل , في كل عمل تحرري , أن يشارك الشعب كله في النضال , لا أن يقتصر هذا النضال على مجموعة من الأفراد , أياً كانوا .
غيفارا : عصبة ,طبقة , فئة ....الخ , تمارس العنف .
غاندي : الشعب كله , في تنوع فئاته ووحدتها , مسلحا بالسلام , والانفتاح على الآخر .
لقد أثبتت التجربة أن مثال غيفارا كان طريقا ملكيّة ً لتهديم طاقاتنا , لتخريب حياتنا , لتبديد ثرواتنا , لفشلنا , ولتشويه وجودنا وحضورنا في العالم.
إن للحرية هي كذلك سلاحها.
لكن, منذ أن يلبس هذا السلاح رداء العنف , ينقلب إلى عدو
للحرية نفسها : يصبح نوعا من العدوان على الذات والآخر , معا .
لا سلاح للحرية إلا الحرية - إلا السلام .
أكرر : نعم , نحن في حاجة إلى غاندي , لا إلى
غيفارا!
115,116
ما من أحد يطلب منا نحن العرب , أن نكون حكاما عادلين . أن نكون سياسين عظماء . أن نكون علماء كبارا في الذرة أو في غيرها , أن نكون فلاسفة أو شعراء أو فنانين . ما من أحد .
لكن الجميع يطلبون منا أن نكون حكاما غاشمين , أن نكون فاسدين مفسدين . أن نمجد العنف . أن نخطط لينفي بعضنا بعضا . وليقتل بعضنا بعضا . أن نفتقر , ونهاجر , ونتمزق. وهو طلب لا نكتفي , فيما نلبية , بأن ننفذه برغبة كاملة , وإنما ننفذه كذلك بمتعة كاملة .
قل لي , من أنت أيها العربي الذي يسكنني ؟
أحيانا يخيل لي أننا لم نعد بحاجة إلى أن نحفر القبور لموتنا . ذلك أن رؤوسنا وأجسامنا تحل محلها . فما أكثر القبور في أفكارنا وأعمالنا . يكاد كل منا أن يكون قبرا يسعى .
ولننظر إلى أحوال العراق , تمثيلا لا حصرا : إنها تؤكد لنا أن تاريخنا السياسي - الديني لا يزال المكان الأكثر تحريضا على اقتتالنا وتفتتنا , والأكثر مدعاة لضياعنا .
إنه تاريخ يحجب عنا الحاضر وحقائقه ومقتضياته , وليس حجب الحاضر إلا طريقة لحجب المستقبل.
116, 117
لعلنا نجد سببا من الأسباب التي تعيق التقدم العربي . فانحصار الصراع في "العمل" السياسي المباشر , في معزل عن "العلم" ليس إلا انحسارا . فالإنسان لا يتقدم بالسياسة وحدها , أو بإحلال نظام سياسي محل نظام آخر . لا يقدر أن يتقدم إلا إذا مارس اللغة الثقافية التي تتماهى مع تطلعاته ورغباته , بحيث يفصح عنها , ويحققها , ويعيشها .
ألا يبدو , في هذا الإطار , أن التاريخ الذي تكتبه السياسة العربية , موالاة ومعارضة , إنما هو تاريخ تكتبه المصادفات وردود الأفعال ؟
ألا يبدو تبعا لذلك أنه تاريخ لا معنى له!
119
كيف لم يبتكر المسؤولون , فلسطينيين وعربا , طرقا جديدة للفكر والعمل في كل مايتعلق بنظرتهم إلى فلسطين ,
وإلى العالم , وإلى حضورهم في العالم ؟
يتضح أكثر فأكثر , لي على الأقل , أن فلسطين ليست إلا فصلاً في مسرحية ضخمة : تدمير "الظاهرة" العربية , أو "الطاقة الخلاقة" عند العرب . فيما تدمر فلسطين , و"تمحى" . وقد "تبدي لنا الأيام" أن هذا الفصل لن يكون الأكثر هولاً .
في هذه المسرحية , تمتزج الفاجعة بالسخرية , على نحو يقل نظيره . ووجه السخرية هنا هو أن أبطال هذه المسرحية الأشد بروزا هم العرب أنفسهم من جهة , وأنهم من جهة ثانية , الأشد عنفا , بعضهم ضد بعض , والأشد فتكا , بعضهم ببعض , والأكثر تشويها لإنسانيتهم وتهديما لحاضرهم . تُرى , من يعرف , من يقول لنا : من أين , وكيف نمتلك نحن العرب , هذه القدرة الغريبة وهذه الجرأة الأكثر غرابة , على التدمير الذاتي.
يتضح أكثر فأكثر , لي على الأقل , أن فلسطين ليست إلا فصلاً في مسرحية ضخمة : تدمير "الظاهرة" العربية , أو "الطاقة الخلاقة" عند العرب . فيما تدمر فلسطين , و"تمحى" . وقد "تبدي لنا الأيام" أن هذا الفصل لن يكون الأكثر هولاً .
في هذه المسرحية , تمتزج الفاجعة بالسخرية , على نحو يقل نظيره . ووجه السخرية هنا هو أن أبطال هذه المسرحية الأشد بروزا هم العرب أنفسهم من جهة , وأنهم من جهة ثانية , الأشد عنفا , بعضهم ضد بعض , والأشد فتكا , بعضهم ببعض , والأكثر تشويها لإنسانيتهم وتهديما لحاضرهم . تُرى , من يعرف , من يقول لنا : من أين , وكيف نمتلك نحن العرب , هذه القدرة الغريبة وهذه الجرأة الأكثر غرابة , على التدمير الذاتي.
120 ,121
إذا كان الشعر لا يرى بشكل مختلف , إذا كان لا يفتح طرقا جديدة للرؤية والفهم والحساسية , وآفاقا جديدة للكشف والمعرفة , إذا كان لا يُعنى إلا بتهيئة "طعام" مشترك يرضى عنه الجميع .
فهو لا يفعل أكثر من أن ينحني لسيدة "البيت" , فيما تنهض من سريرها , لكي تذهب إلى المطبخ.
122
بلغت حرية النقاش والتساؤل في عهد المأمون , في القرن التاسع الميلادي , درجة عالية دفعت شاعراً كأبي نواس إلى القول :" ديني لنفسي ودين الناس للناس" ". يذكرونهم , تبعا لذلك , أن ازدهار الحضارة العربية تم عمليا , في معزل عن المعتقد الديني , وأن الإبداعات الفكرية الفنية والعلمية تمت في أفق غير ديني . من دون أن يعنى ذلك المساس بحرية الإيمان الديني , تطابقا مع مشيئة الفرد . يذكرونهم كذلك بما أصبح بدهيا يعرفه الجميع : لم تقم الحضارة الغربية (المسيحية) إلا بعد أن تم الفصل الكامل في المجتمع بين الديني والسياسي .
دون ذلك , سيرى أهل الطوائف أنهم مقودون , عاجلا أو آجلا , إلى إقامة دولة خاصة بكل دين , ومن ثم إقامة "إمارة" خاصة بكل طائفة . هذا إذا لم يُهجّروا , أو يفتتوا , أو يحولوا إلى مجرد لعب ودمى . هكذا يكتمل الفاجع بالساخر : شعب يهدم بنفسه بيته الجميل الأخير فيما يظن أنه يزينه , ويقيم حوله الأسوار العالية.
125
,126
أين هي تلك الذاكرة التي لا يسكن العربي , غالبا , إلا فيها ؟ أين هي لكي نسألها : ماذا فعلت وتفعل تجربة
العنف باسم الدين , من الجزائر حتى بغداد ؟
ماذا فعلت تجربة العنف في الحرب الأهلية اللبنانية ؟
ثم إن خمسين سنة من العنف باسم فلسطين جديرة بأن توضح أن هذا العنف لم "ينهك " العدو . وإنما أنهك أصحابه.
وكيف لا نرى الواقع ؟ ولماذا لا نراه ؟ ماهذا "الحجاب" السري الذي ينسدل على وجوهنا ويحول بيننا وبين الرؤية الواضحة الصريحة , البسيطة ؟
مالسر في تمسكنا بخوض حروب تشل حياتنا , وتستنزف مواردنا وثرواتنا وطاقاتنا , وتكاد أن تستأصلنا؟ مالسر في هذا الإصرار على الموت , مجانا أو عبثا , أفرادا وجماعات وبلدانا ؟
132
في الأصولية الدينية , اليوم , نزعة للتوحيد بين الانفعال والمعتقد , أو بتعبير آخر , إلى تذويب المعتقد في "الذات" . وفي هذا ما يؤدي ببعضهم إلى أن يحولوا الدين إلى ملك "شخصي" , ويحولوا من لا يرى رأيهم إلى "كافر"- "عدو " لا بد من "محوه" .
ماذا فعلت تجربة العنف في الحرب الأهلية اللبنانية ؟
ثم إن خمسين سنة من العنف باسم فلسطين جديرة بأن توضح أن هذا العنف لم "ينهك " العدو . وإنما أنهك أصحابه.
وكيف لا نرى الواقع ؟ ولماذا لا نراه ؟ ماهذا "الحجاب" السري الذي ينسدل على وجوهنا ويحول بيننا وبين الرؤية الواضحة الصريحة , البسيطة ؟
مالسر في تمسكنا بخوض حروب تشل حياتنا , وتستنزف مواردنا وثرواتنا وطاقاتنا , وتكاد أن تستأصلنا؟ مالسر في هذا الإصرار على الموت , مجانا أو عبثا , أفرادا وجماعات وبلدانا ؟
132
في الأصولية الدينية , اليوم , نزعة للتوحيد بين الانفعال والمعتقد , أو بتعبير آخر , إلى تذويب المعتقد في "الذات" . وفي هذا ما يؤدي ببعضهم إلى أن يحولوا الدين إلى ملك "شخصي" , ويحولوا من لا يرى رأيهم إلى "كافر"- "عدو " لا بد من "محوه" .
وفيه كذلك , ما يدفع بعضهم إلى أن يغضبوا لـ"معتقدهم" أكثر مما يغضبون لـ "الخالق " نفسه.
والسؤال في هذا الصدد , هو : كيف يمكن هؤلاء أن يعتقدوا بأن مثل هذه الممارسة دفاع عن الدين , أو خدمة له؟
146
" انفجرت قنبلة في شارع عربي , مات من مات , وجرح من جرح , وتجعدت بشرة الهواء , فيما كان الشارع يصرخ : يسقط الامبراطور الروماني !"
157
"وضعتنا الكتب المقدسة في أرض مقدسة ليست إلا سجونا مقدسة . لك القداسة أيتها الكتب أيضا وأيضا .."
159
سأمضي بقية حياتي بين يدي قصيدة أتتلمذ على الحب .
*
قتلت السياسة وأهواؤها حس الحرية عند الإنسان . فما أكثر الذين يقاتلون اليوم , باسمها لكي يظلوا عبيدا .
لا تمت في سبيل أي شيء
لاشيء , أيا كان , يستحق أن تموت الحياة من أجله .
كل شيء يجب أن يموت من أجل الحياة
لا تمت إلا الموت الذي تأخذك إليه الطبيعة .
*
تحوّل مفهوم العروبة في المحيط السياسي العربي إلى سفينة من أكبر سفن التاريخ . غير أنها سفينة لا تحمل إلا التاريخ .
*
لماذا يرفض العربي , إجمالاً , أن ينظر إلى التاريخ إلا بعين التمجيد والاعتزاز ؟ لماذا لا يقدر أن يرى إلا الجانب المضيء ؟
*
يبدو أن من العبث أن نطالب الزمن بأن يدخل البيوت العربية إلا على الطريق التي ترسمها فضة الصلاة نحو ذهب السماء . هيئوا , إذا , صقور السياسة , وأطلقوا أرانب اللغة .
160 , 161, 162, 164, 168
*
قتلت السياسة وأهواؤها حس الحرية عند الإنسان . فما أكثر الذين يقاتلون اليوم , باسمها لكي يظلوا عبيدا .
لا تمت في سبيل أي شيء
لاشيء , أيا كان , يستحق أن تموت الحياة من أجله .
كل شيء يجب أن يموت من أجل الحياة
لا تمت إلا الموت الذي تأخذك إليه الطبيعة .
*
تحوّل مفهوم العروبة في المحيط السياسي العربي إلى سفينة من أكبر سفن التاريخ . غير أنها سفينة لا تحمل إلا التاريخ .
*
لماذا يرفض العربي , إجمالاً , أن ينظر إلى التاريخ إلا بعين التمجيد والاعتزاز ؟ لماذا لا يقدر أن يرى إلا الجانب المضيء ؟
*
يبدو أن من العبث أن نطالب الزمن بأن يدخل البيوت العربية إلا على الطريق التي ترسمها فضة الصلاة نحو ذهب السماء . هيئوا , إذا , صقور السياسة , وأطلقوا أرانب اللغة .
160 , 161, 162, 164, 168
يوحد معظمنا نحن العرب , بين الوطن والدين , ونمزج انطلاقا من ذلك , بين الوطنية والتدين - فيما يكون
الوطن واحدا , والتدين كثيراً .
لماذا , إذا نفاجأ أو نستغرب إذا رأينا بعضنا في هذا الوطن الواحد يقوم بأعمال لا يؤمن بها , ويجهر بأفكار تتناقض مع وعيه وضميره ؟
أو إذا رأينا بعضنا يشعر أنه أجنبي في وطنه ؟
أو إذا رأينا بعضنا لا يؤمن بالوطنية إلا إذا كانت تابعة للدين الذي يؤمن به , أو إذا رأينا بعضنا يشعر أن حريته تنتهك يوميا , أو إذا رأينا بعضنا يشعر أنه يعيش دون حرية , كأنه مقيد أو مستعبد , أو إذا رأينا بعضنا يشعر أنه لا يقدر أن يعيش إلا في عداء كامل للدين وللوطن معا ؟
ولماذا , إذا نفاجأ أو نستغرب إذا طرح أحدهم علينا هذا السؤال :
ما يكون مضمون وطن بمثل هذا الشكل المفتت ؟ وما يكون معناه ؟ وما تكون قيمته ؟
169 ,170
تقتضي أوضاعنا نحن العرب والمسلمين بعامة , أن يكون الدين عندنا انفتاحا كاملا على تجدد العالم , تغير الأشياء , وأن يكون المؤمنون وأهل الدين , تبعا لذلك , ورشات عمل في " فقه التحليل " , من أجل استيعاب هذا التجدد وهذا التغير في لغاتهما , الثقافية والمادية العددية والمتنوعة . لكن العكس هو الحاصل . فليس هناك غير ورشات عمل في فقه "التحريم".
كل عالم "ضيق" , اليوم هو عالم ثانوي ’ هامشي لا شأن له , ولا فعل , كل ما لا شأن له ولا فعل , لا حاجة كيانية له . كل مالا حاجة كيانية له , مهدد بأن ينقرض.
****
نبرع نحن العرب في ممارسة فن ممتع هو فن تغييب الواقع .
هكذا , لا يفكر أحد في تغييره . الفكر كله , محصور على العكس , في استثماره - وفي ابتكار الطرق الأسرع والأجدى في هذا الاستثمار . وهو فن يحظى بعناصر تقنية تدعمه وتطوره : وسائل الإعلام , العوالم الافتراضية , المخيلة الدينية الخاصة بالعالم الآخر .
172
لماذا , إذا نفاجأ أو نستغرب إذا رأينا بعضنا في هذا الوطن الواحد يقوم بأعمال لا يؤمن بها , ويجهر بأفكار تتناقض مع وعيه وضميره ؟
أو إذا رأينا بعضنا يشعر أنه أجنبي في وطنه ؟
أو إذا رأينا بعضنا لا يؤمن بالوطنية إلا إذا كانت تابعة للدين الذي يؤمن به , أو إذا رأينا بعضنا يشعر أن حريته تنتهك يوميا , أو إذا رأينا بعضنا يشعر أنه يعيش دون حرية , كأنه مقيد أو مستعبد , أو إذا رأينا بعضنا يشعر أنه لا يقدر أن يعيش إلا في عداء كامل للدين وللوطن معا ؟
ولماذا , إذا نفاجأ أو نستغرب إذا طرح أحدهم علينا هذا السؤال :
ما يكون مضمون وطن بمثل هذا الشكل المفتت ؟ وما يكون معناه ؟ وما تكون قيمته ؟
169 ,170
تقتضي أوضاعنا نحن العرب والمسلمين بعامة , أن يكون الدين عندنا انفتاحا كاملا على تجدد العالم , تغير الأشياء , وأن يكون المؤمنون وأهل الدين , تبعا لذلك , ورشات عمل في " فقه التحليل " , من أجل استيعاب هذا التجدد وهذا التغير في لغاتهما , الثقافية والمادية العددية والمتنوعة . لكن العكس هو الحاصل . فليس هناك غير ورشات عمل في فقه "التحريم".
كل عالم "ضيق" , اليوم هو عالم ثانوي ’ هامشي لا شأن له , ولا فعل , كل ما لا شأن له ولا فعل , لا حاجة كيانية له . كل مالا حاجة كيانية له , مهدد بأن ينقرض.
****
نبرع نحن العرب في ممارسة فن ممتع هو فن تغييب الواقع .
هكذا , لا يفكر أحد في تغييره . الفكر كله , محصور على العكس , في استثماره - وفي ابتكار الطرق الأسرع والأجدى في هذا الاستثمار . وهو فن يحظى بعناصر تقنية تدعمه وتطوره : وسائل الإعلام , العوالم الافتراضية , المخيلة الدينية الخاصة بالعالم الآخر .
172
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق