الجمعة، 26 فبراير 2016

مقتطفات من كتاب - رأس اللغة جسم الصحراء لأدونيس 5



رجال الاختصاص الكبار في علم السلطة والسياسة مدعوون إلى دراسة إنجاز عربي ضخم في مجال هذا العلم , حققه الساسة العرب , يضاف إلى مختلف إنجازاتهم الأخرى . يتمثل هذا الإنجاز في تحويل النظام "الثوري" , "الديمقراطي" , إلى نظام ملكي , وراثي , عائلي , "إقطاعي" , يتم بانتخابات شعبية حرة.

ومن المؤكد أن التاريخ سيحفظ لهؤلاء الساسة في سجلاته حقوقهم الكاملة في هذا الإنجاز , ولن يتردد في إعطائهم براءة اختراعه.

200


ارسم مثلث على دفترك , حدق فيه , وأنت تتكلم على السياسة العربية , والوضع العربي , وسوف ترى أن هذا المثلث يتحول إلى دائرة.
 
202

في فلسطين نجد ألفباء هذه الثقافة الحية . إنها عقدة اللقاء-الصراع بين دينين -شعبين , يقول وحي كل منهما لكل منهما : "أنتم خير أمة".

 في ضوء هذه الأخوة الدينية , أو هذه " الأبوة الإبراهيمية" , المريرة , الفاجعة , الدامية , الاستئصالية , يمكن أن تقال أشياء كثيرة , متنوعة , ومتناقضة .

من جهتي , سأقول ما يبدو لي أنه الأكثر إضاءة , وإن لم يكن الأقل تناقضا .

أولاً , عن الحرب بين الإسلام وأعدائه "الكفار" , سأقول إنها حرب خاسرة . والخاسرون طبعا هم المسلمون . يتعذر على المسلمين اليوم عدة وعتادا , مؤسسات وقيادات , وفي غياب شبه كامل لشروط الحرية , والبحث , والتقدم العلمي , أن ينتصروا على أعدائهم . لسبب بسيط واحد مباشر , بين أسباب كثيرة بالغة التعقيد , أصوغه بتبسيط كما يلي : لا أستطيع أن أتغلب على عدوي بأسلحة هو الذي يصنعها ويمتلك القدرة على تطويرها , وهو نفسه يقدمها لي , مقابل ثرواتي. ولن تكون الحرب إلا حرب استنزاف لطاقات المسلمين المعنوية والمادية.
ثانيا , عن الحرب الإسلامية - الإسلامية , سأقول إن ثمة واقعا اجتماعيا -ثقافيا - حضاريا يعيشه المسلمون أنفسهم , يجعل عودتهم إلى نظم الإسلام الأول ومؤسساته , أمرا مستحيلا على جميع الأصعدة .

وليس مرد ذلك إلى أن المسلمين فقدوا إيمانهم بالإسلام , وإنما مرده إلى أن حياتهم أصبحت أكثر تعقيدا واتساعا وغنىً وتنوعا من أن تتطابق معها أو تلبيها "الصورة" التي رسمها للإسلام فقهاؤه الأوائل . فمشكلات هذه الحياة وتطلعاتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية لا تعالجها فتوى من هنا , وموعظة من هناك . لا بد لها من نظرات ودراسات علمية متخصصة , وشاملة , تستند إلى رؤى وأسس معرفية كونية . هكذا يتحتم على المسلمين , إن كانوا يريدون النهوض حقا , والمشاركة في بناء العالم , أن يخرجوا من الخطاب الشائع الذي بدأه الأفغاني , والذي ينادي بالعودة ألى الدولة الإسلامية القديمة . فأية دولة هي هذه الدولة ؟ أهي حكومة المدينة ؟ أهي الخلافة الراشدية ؟ أم هي الدولة التي أسسها معاوية ؟

207 , 208

ألن يذهب المسلمون , أخيرا ً , في تساؤلاتهم وتحليلاتهم , إلى أبعد من المظهر والسطح ؟ ألن يروا أخيراً , كيف أن بلدانهم ترسم بينها وبين عالم التقدم , حدود التخلف - الأمية , والبطالة , وغياب الحريات , والاستهتار بالإنسان وحقوقه ؟ كيف أنها ترسم كذلك حدود الحروب ؟


كل شيء في العالم الإسلامي متناقض , متنابذ , متناحر , مغلق . وعلى الوعي الإسلامي أن يرتجف خجلا ورعبا من رؤية العالم الإسلامي في تحوله إلى إرهاب , وقتل , وجثث , ومقابر , في عالم يصفه بأنه "كافر" يتحوّل على العكس فيما وراء سياساته العدوانية , إلى شموس , ومنارات , وآفاق معرفية بلا نهاية.

210


تؤكد التجربة أن الثقافة التي لا يعاد النظر فيها , بأصولها ومشكلاتها , تحليلا ونقداً , تظل جامدة , مغلقة , وأن إعادة النظر , اليوم , إنما هي ضرورة قصوى . خصوصا أن الصورة التي ترسمها النزعات الأصولية الدينية عن الثقافة العربية والحياة العربية , ليست تشويها وحسب , وإنما هي نوع من "الإهانة ", و"التحقير" لتاريخ من الإبداعات العربية في جميع الميادين , أسهمت في بناء العالم الحديث . عدا أنها صورة لا تستند إلى المجادلة الحسنة , وإنما تعتمد على أساليب ترغيب وترهيب ليست في حقيقتها , إلا عنفا.
 
212


أخطر ما في الأصوليات , هو أنها توحد بين الإيمان والمعرفة , مغلبة "ثبات" الأول , على "حركية " الثانية وتحولاتها . هكذا يفقد الإيمان توهجه وطاقته , لأنه يتحول إلى تقليد جامد , وتنتهي المعرفة لأنها تتطابق مع هذه التقليدية , وتتحول إلى نوع آخر من الجهل : تنفصل عن تغيرات الواقع والعالم , وبذلك تنفصل عن الإنسان نفسه.

وما تكون في هذه الحالة , قيمة ثقافة تؤسس لها هذه الأصوليات , تنبذ العلم والفلسفة والشعر والتصوير والنحت والموسيقى , وتحتقر الجسد , والطبع والطبيعة والمخيلة والحلم ؟

212


الحق أن الأصولي لا يفكر , وإنما يفكر عنه النقل أو التقليد . أو لنقل : أنه يعيش في نظام فكري يعفي الإنسان من التفكير.

ألا يبدو أن كل شيء في الثقافة التي ترسخها الأصولية وتعممها , يشير إلى أن الإنسان هو في آخر الدرجات من سلم القيم , ويؤكد على أن معيار قيمته ليس في كونه إنسانا , وإنما في كونه "مؤمنا" أو "كافرا" أو أن قيمته ليست في "ماهيته" بل في "صفته" ؟ أليس في هذا , أخيراً , ما يسوغ المذابح والمجازر البشرية , وما يدفع إليها , وما يزينها ؟ ومن أين لهذا كله أن يكون في خدمة الإسلام ؟

213 214
من التبسيط إذاً , وعدم الدقة القول إن "حماس" مجرد مجموعة من المتشددين المتطرفين . إنها أكثر من ذلك بكثير . إنها أحلام تاريخية , ومخيلة دينية , وتطلعات مكبوتة لا تعترف بواقع أو بحد , وهي تصور مقفل على حقائق تعدها حقائق العالم الكاملة والنهائية .

وقد يمكن التغلب عليها بوصفها "سلطة" , لكن يتعذر التغلب عليها بوصفها ظاهرة انفجار اجتماعي-ديني, إلا إذا تم التغلب على الأسس التي أنتجتها , وأنتجت قبلها ما يشابهها . والذين يحاربونها يهملون هذه الأسس , ويحصرون همهم في القضاء عليها بوصفها "سلطة" . وليس هذا إلا استمرارا في علاج أثبتت التجربة التاريخية , ماضيا وحاضرا أنه لا يجدي. بل أثبتت أن هذا العلاج قد ينقلب إلى نقيضه , ويتحول هو نفسه إلى داء آخر .

لا أريد أن أقدم أمثلة من الماضي , وأكتفي بأن أقدم مثلين بارزين من الحاضر : النتيجة التي وصل إليها نظام صدام حسين : قتل "سلطة" الطوائف , وعجز عن القضاء على الظاهرة نفسها, ظاهرة الطوائف. وقبله , نظام عبد الناصر في تعامله مع "داء" سيد قطب الذي سجنه وقتله . وهاهو الآن عبد الناصر بلا وريث , ويزداد أفولاً , بينما ورثة السيد قطب يهزون بنية المجتمع المصري , ويزدادون حضورا وقوة

بنى كل من عبد الناصر وصدام حسين , على ما بينهما من الفوارق الكثيرة المتنوعة "سلطة" , لكنهما لم يبنيا مجتمعا , وهذا ما يمكن قوله عن الحكام العرب , طوال القرنين الماضيين . والحق أن تاريخ العرب في هذه المرحلة كلها لم يكن تاريخ علوم وفنون وتقنيات وحريات وتقدم , وإنما تاريخ صراع على السلطة , وتاريخ تمزقات وتراجعات وانهيارات وهو تاريخ لا يزال متواصلاً.

ص 216 , 217

حماس – فتح : ثنائي يوضح انشطار المسلمين العرب , المحتمل أو الممكن . انشطار حاضر يختزن انشطار المستقبل . فكما كشفت فلسطين , بوصفها "قضية " عن تشتت العرب وعجزهم , فإن انشطار الفلسطينيين يكشف عن انشطار الواقع العربي . قد تكون "قلوب" المسلمين إلى جانب حماس , ومن المؤكد أن "عقولهم" ليست كلها إلى جانب "فتح" . وفيما تبدو "حماس" ماضيا يبتلع الحاضر , تبدو "فتح" حاضرا يبتلعه الماضي.

في ذلك ما يحتم على "فتح" إن كانت تريد أن تخرج من "منطق" "حماس" , أن ترفع مستوى الصراع معها , وأن تتمحور حول بناء المستقبل , لا حول استعادة الماضي . ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتأسيس لمدنية فلسطين , ومدنية المجتمع الذي تعمل على بنائه . وبهذا وحده تقدر أن تخرج من "الوهم" و"الالتباس", ومن العنف الذي يتولد منهما , وتقدر , تبعا لذلك , أن تضع أسساً جديدة لمجتمع جديد , وقيم جديدة , وأن تبني حاضرا مختلفا بوصفه نواة ومقدمة لتاريخ آخر مختلف.

دون ذلك , لن تكون "فتح" , وإن انتصرت سلطويا ً , تحت التاريخ وحسب , شأن الأنظمة العربية , وإنما ستكون كذلك , موضوعيا , "مقيمة" , بشكل أو آخر , في "دار" العقلية الدينية الماضوية , وايدولوجياتها , واستيهاماتها .

218 , 219

يتاح لمن يزور البلدان العربية , اليوم , بوجهيها الآسيوي والأفريقي , أن يتأكد من أن هذه البلدان تتقدم كثيرا في اكتساب حداثة الأشياء , وتتأخر كثيراً في تحقيق حداثة الإنسان.

هذه مفارقة لا تصدم العقل وحده , وإنما تصدم كذلك الحياة برمتها . هكذا يعيش العربي مشطورا : نصفا في جنة الحداثة , ونصفا في جحيمها.
 
227

_حول إيران_

لا يصح أن نماهي أو نوحد بين "حقيقة" الشعب , وحقيقة السلطة , أو النظام , كما يفعل بعضهم , وأن نطلق من ثّم أحكاما عامة قاطعة , ونبني صورة واحدة مقولبة . ففي ذلك , لا نسيء الفهم وحده , وإنما نشوه الواقع كذلك.

هناك جزء كبير ومتنوع , من الشعب , وعلى الأخص في الوسط الطلابي الجامعي , وفي الأوساط الشعرية والفنية والفكرية , يفكر في استقلالٍ عن السلطة وثقافتها , وفي تناقض معها غالبا . وهو , إذا , لا يرى نفسه في السلطة , ولا ينظر إليها إلا بوصفها قائمة على آلية لا ترتبط بـ "جواهر" , إنما ترتبط بـ"أعراض" و"ظروف" . ويرى تبعا لذلك , أن المشكلة الرئيسية في هذه السلطة تنبع من "التاريخ" ذاكرة وثقافة , وليس من الإنسان نفسه - إبداعاً وتطلعا .

232




فيما يتجاوز المسألة الإيرانية , ليس هناك ما هو أشد قسوة وأكثر مدعاة للغضب والحسرة معا , من أن يرى الإنسان تراثه الذي تعلم فيه الحرية والنقد والتساؤل والإبداع , يتحول إلى عالم من السجون والسلاسل - في الحياة والفكر.

وليس هناك ما يعبر عن المرير والفاجع في حياة الشعب كمثل ما تعبر الحالة التي يرى فيها الإنسان كيف تحول السلطة "حقه" إلى باطل , و"نوره" إلى ظلام , و"حياته" إلى موت متواصل - بتأويل ديني , أو باستراتيجية سياسية تنهض على الدين.

كيف نقنع إذا السلطة "الإسلامية" بأن من العبث والمستحيل أن تكون في آنٍ , سياسة ودينية؟
كيف نقنعها بأنها لا تستطيع أن تكون سياسة , إلا إذا كانت حرية , وكان فيها لتعدد الآراء محل ودور؟
كيف نقنع السلطة بأن الاستعباد لا يمارسه إلا المُستعبد سلفا, وأن الحر هو من يحرر , ومن يعلم الحرية؟

233

على المؤمنين - دينيا , أن يتدارسوا , في ضوء هذه التجربة التاريخية , وفي ضوء التقدم الإنساني , مسألة العلاقة بين الدين والسلطة , إذا كانوا حريصين فعلاً على الحضور الكريم للدين - إنسانيا , وحضاريا . خصوصا أن هذه العلاقة تزداد , فيما يتعلق تحديدا بالإسلام , التباسا وتعقيدا , وأنها علاقة تتجسد في الإكراه والاستئثار والطغيان , أكثر مما تتجسد في الحرية والمساواة .

234
كتبت مراراً عن الرقابة , قلت عنها بين ما قلته إنها تضمر محاولة للعودة بالإنسان إلى ما قبل الكلام وإلى ما قبل الكتابة , إلى اختصار الأبجدية كلها والثقافة كلها في التصفيق للسلطة . وتساءلت مراراً : ما قيمة سلطة تكون هي وحدها الناطقة , حتى لو هيمنت على ملايين البشر البكم؟

ما قيمة سياسة تسوس الحجر , تسوس شعبا لا يحق له الكلام إلا إذا أذنت له ؟

ما قيمة الرقابة , ما جدواها , خصوصا اليوم حيث يعرف كثير من الناس ما لا يعرفه كثير من أهل السلطة , حيث لم يعد أي شيء خافيا. صوت الكون يتردد اليوم في كل بيت .

فلماذا الاستمرار في رصد الأموال الضخمة , وإقامة المؤسسات الضخمة , وتوظيف الأعداد الضخمة من كتاب التقارير للقيام بعمل لم تعد له أية فائدة , بل أصبح علامة على الفساد والإفساد , وعلى التخلف وعلى الإقامة خارج التاريخ؟

241 ,242

في أي لقاء مع السوريين عمالاً وفلاحين , كتابا ومفكرين , أطباء ومهندسين , معلمين وأساتذة جامعيين , إعلاميين وصحفيين , نساء ورجالا , تبدو ملامح كثيرة تدل على التفوق والتفرد , وتشير إلى توقهم المتلهف للخلاص من الظلم , ولسيادة القانون والعدالة وحقوق الإنسان وحرياته , ولا يخفي أحدهم استنكاره الكبير , الغاضب لهيمنة الفساد ,فهو من الحضور الساحق , على كل مستوى , حتى ليبدو أنه القاعدة , وأنه ماء الحياة اليومية وهواءها

المعارضات في المجتمعات المتقدمة هي المحرك الأساس لمزيد من التقدم . وغياب المعارضة في المجتمعات المتخلفة كمثل مجتمعاتنا العربية , دليل موت مزدوج : موت السياسة على مستوى النظام , وموت الحركية الخلاقة على مستوى الحياة الاجتماعية . فالمجتمع الذي لا معارضة فيه , سياسية وفكرية , على الأخص , مجتمع لا حياة فيه . مجتمع - مقبرة.

وهذا مما يفرض على المعارضة مسؤولية سياسية وأخلاقية عالية , تميزها عن النظام الذي تعارضه , بحيث لا يصح , في أي حال , أن تقوم المعارضة بممارسات تقوم بها السلطة التي تعارضها . ذلك أن أبسط المبادئ التي تقوم عليها المعارضة في أي مجتمع هي التفكير والسلوك بطرق أكثر فاعلية ونزاهة وعدالة في إدارة شؤون المجتمع , وفي احترام الإنسان وحقوقه - من أجل تحقيق حياة أكثر جمالاً , وأوسع حرية . من دون ذلك , لن تكون المعارضة إلا امتدادا لأهل النظام - أعني طرفا آخر في صراع المصالح والأغراض والمنافع

ما لفرق مثلا , بين أن يضعك النظام في السجن لأنك معارض له , وأن تتهمك المعارضة بأنك عميل لهذا النظام أو خائن أو طائفي على الرغم من جميع ما أنزله بك هذا النظام نفسه ؟ إن مثل هذا الاتهام أشد هولاً وأكثر استهتارا بالإنسان وحقوقه من السجن نفسه . ذلك أن السجن قيد مادي محدود , في حين أن هذا الاتهام نوع من "الحصار" , بل أنه نوع من القتل .

أفلا تكون المعارضة في مثل هذه الحالة فاتكة بالإنسان وحقوقه كمثل النظام , وربما أشد فتكا؟

255 , 256 ,257
إن الحق في المعارضة يجب أن يكون مسألة بنائية تأسيسية تقوم في أساس الممارسة السياسية , وفي أساس الرؤية السياسية - الفكرية , عند جميع الذين يؤمنون بالديمقراطية والتعددية والتنوع , وبالإنسان وحقوقه وحرياته , وما يمارسه , اليوم, بعض "المدافعين عن حقوق الإنسان" في سورية خصوصا , والبلدان العربية , بعامة , من "تخوين" لكل مختلف عنهم في الرأي أو النهج , إنما هو متابعة وترسيخ لذلك الخطأ التأسيسي , وتوكيد وتسويغ لممارسات الإقصاء والإلغاء والتهميش التي تقوم بها الأنظمة العربية كلها . وأسأل هنا : ما الفرق , إذا, بين الحاكم والمعارض ؟ وعلى هذا المستوى , تحتاج الحياة السياسية العربية برمتها , يمينا ووسطا ويسارا , إلى نقد ذاتي جذري وشامل , لكي تسترد هذه الحياة نفسها من جهة , ولكي تسترد , من جهة ثانية , حيويتها , وفاعليتها , ووجهها الإنساني .

258



تكفرك السلفية لأنك تكتب عن الحداثة , وتكفرك الحداثة لأنك تحرص على معرفة المنطق "السلفي" , والعقلية السلفية , والفكر السلفي . إنها البنية العقلية التكفيرية ذاتها التي قادت الثقافة الإسلامية بسيفين : سيف التحليل , وسيف التحريم . وهي ثنائية دمرت الحياة الثقافية العربية .

نحلل الكلام على هذا الفكر أو هذا الشخص , ونحرمه على ذلك الفكر , أو ذلك الشخص . وليست السلطات هي وحدها التي تمارس هذا التحليل والتحريم , وإنما يمارسه كذلك المفكرون وأصحاب العقائد . فعلت ذلك الأحزاب اليسارية والأحزاب القومية . كان مجرد ذكر ماركس أو لينين يعد انحرافا و "جريمة" في الأوساط القومية , وكان مجرد ذكر أنطون سعادة , يعد هو كذلك انحرافا وجريمة في الأوساط الشيوعية واليسارية , وفي الأوساط العروبية .

وهذا مافعلته الناصرية -السلطة في مناوئيها . ومافعله حزب البعث -السلطة في مناوئيه , وهذا مافعلته الجماهيرية العظمى .....الخ

وها نحن اليوم نتابع هذا النضال "الفكري" بفضل المفكرين أنفسهم .

ص 267

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق